الدستور تم التلاعب به، تحت مسميات هلامية وأغراض كلنا نعرفها، لكن طرفى المعادلة السياسية حكومة وشعبا يشيحون عنها بوجوهم حتى لا يتواجها بالحقيقة.
راقبنا المسرحية التى دارت، مستهينة بذكاء الناس ومستعلية على ممارسة حقوقهم فى الحوار وفهم المقاصد السياسية للتعديل، عبر سماع مساجلات مجلس الشعب حول التعديلات، من تأييد الأغلبية ورفض أقلية حوسبت بشدة على رفضها، لدرجة أن طلب سريعا، من المحامين اياهم، تقديم بلاغات تطلب عزل أحد النواب من المجلس لمجرد إعلانه عدم الرضا، أو الحب لسيادة الرئيس، مع أننى أدعى أنه لا يوجد فى قانون العقوبات تهمة اسمها عدم الحب أو عدم الاقتناع بالأداء الرئاسي، خاصة وهى صادرة من عضو برلمان له الحصانة فيما يقول داخل المجلس، رغم أن الواقع يناقض تلك الحصانة، بعدما تم اتهام النائب السابق مصطفى النجار وإحالته للمحاكمة على كلام قيل داخل المجلس.. منتهى الاحتقار للدور النيابى وإساءة للدستور الذى كفل حرية التعبير، والتى يتم اغتيالها بالممارسات العجيبة وبالقوانين التفصيل، حتى لا يغرد أحد خارج السرب.
وسلام سلاح للسلطة التنفيذية الملكة المتوجة على كل السلطات، والتى سوف تستأسد بالقانون والدستور – بعد تعديله - على غيرها من السلطات، مما يهز استقرار الدولة حتى لو ألبسوها أطهر ثوب، فليس هكذا تدار الدول الحديثة، ولا القديمة التى اثبتت فشلها بعدما تجاوزها الزمن، ولا أحد يمكنه إعادة عقارب الزمن إلى الوراء حتى بالسلاح والدبابة!
هكذا يعلمنا التاريخ - الذي علمنا أهمية دروسه- بعدما غابت عنا صغارا وتفهمناها كبارا، فبدونه ندور فى دائرة جهنمية ولا يزورنا المستقبل البتة.
أعرف تماما أسباب الذين رفضوا التعديلات، فالمنطق يحكمهم والخوف على مستقبل الدولة من اختلال ميزان استقلال السلطات الثلاث عن بعضها، والاحترام الشديد للسلطة القضائية والخوف من إهانتها وتقييد أدوارها، ممن لابد أن يرضخ لها ولمراقبتها ومحاسبتها، فكيف يكون المتهم والقاضى فى نفس الوقت؟
هم يبجلون ويقدرون دور النيابة العامة متمثلا فى النائب العام الذى ينوب عنا فى المساءلة وحماية حقوقنا كأفراد، من تغول أى من السلطات علينا، نلجأ إليه فى المحن والظلم والاساءة والاعتداء على أي من حقوقنا، فإن لم تكن له الحصانة والقوة والاستقلالية فإلى من نلجأ؟ للعنف مثلا؟ هذا ماسوف يدفعون الناس إليه عندما يسدون أمامهم كل الطرق السلمية للتغيير، أو الحفاظ على الحقوق.
من يريد حقا إلقاء الجيش فى أتون السياسة؟؟ جيشنا الوطنى الذى هو ابنى وزوجى وأخى وبقية العائلة.. كيف له أن يتعرض للنقد أو التجريح إذا ما قام بأدوار ننأى به عنها حفظا لهيبته واحترامه ودوره المقدس فى حماية الوطن.. من يحميه من صغائر السياسة؟
هذا فكر من قالوا لا، فما هو منطق من قالوا نعم وهللوا وطبلوا حتى قبل الوصول لصورة التعديلات النهائية وخونوا المعارضين وقبلوا بالتمديد وبإهانة البنود المحصنة لمدد الرئاسة؟
هم نفس الذين قبلوا بكل القوانين سيئة السمعة من كل الرؤساء السابقين والمستقبليين أيضا، وعلى بياض لربما يشعرون بالأمان ويؤمنوا لقمة العيش لا أكثر فالسياسة لاتزورهم ولا حتى فى المواسم.. أتفهم ذلك جيدا، فلقمة العيش أصبحت ضنينة حتى للقادرين، فما بالك بالغلابة الذين قايضوا أصواتهم ولو بمجرد تواجدهم طوعا وقسرا فى المقار الانتخابية ببعض الكراتين.. الحاجة مرة فعلا وأدين من سخر منهم، فاللى على الشط عوام!
أتصور أن الموافقة على التمديد للرئيس للثقة فيه وبمشروعاته والاستقرار الذى يوفره لهم، كان السبب الرئيسي للموافقة، لا المواد الأخرى التى أتصور أن الكثيرين لم يعبأوا بها، بعدما حرموا من حق قبول نصوص معينة ورفض أخرى، أو أجبروا عليها! ولكنهم لم يسألوا أنفسهم حتى لو كان هذا الرئيس فى نظرهم يستحق التمديد والاستثناء، فما حالكم وحالنا مع الذي لا يستحق، وإذا ما أصبح الاستثناء والاعتداء على الدستور وتغيير مواده حسب الهوى الرئاسي هو القاعدة؟
سؤال كان لابد أن يطرح، ولن أتكلم على الذين يحاولون الحفاظ على مكاسبهم التى هددتها يناير ويرون استعادتها للانتقام ممن تجرأوا على أسياد يرونهم فوق مستوى البشر، ماداموا يحملون صولجان الحكم ملوكا كانوا أو رؤساء فى زى الملوك.. المصالح هنا هى السيد.. فلا اندهاش على الإطلاق!
قل نعم كما شئت، فهذا حق دستورى لحين إشعار آخر.. لربما يسلب دستوريا إذا ما عنَّ لهم التغيير بعد سنة أو أكثر، تحت شعار سوف يخترعونه وقتها، بعدما تأكدوا بالاستفتاء أن أحلامهم أوامر!
اللعبة تمت بإحكام لعبا بمخاوف الناس المشروعة من الوقوع فى مصائر دول أخرى، لكن ليس بذكاء وبراعة من يبيع سلعة مضروبة ولكنها حسنة التغليف والعرض، فمقاصدها لا تخفى على أحد.. حتى الداعمين على ذلك الأساس وغيره، اندهشوا من عرضها كتلة واحدة، لا مجال للمفاضلة بين النصوص التي يفرضها الدستور المنتهك، حتى هذا الحق يروننا لا نستحقه!!
هل مدد الرئاسة هى أخطر المواد على الدولة، رغم أنها الغاية والمراد من التعديل مهما ادعوا وخونوا؟
لا والله، إن أخطرها هى التغول على استقلالية القضاء، فمن خلاله تستعاد الحقوق، ومن خلاله نطعن على المواد المسيئة للنظام الجمهوري، ومن خلاله نستغيث ولا نحكم السلاح فى الخلافات، فنحن مهما قالوا دولة ومحترمة، ولن نكون أبدا شبه دولة، كما تصمنا التعديلات!
-------------------
بقلم: وفاء الشيشيني